ياصديقى ❤


يا صديقي
مرّت أعوامٌ كثيرة منذ آخر لقاءٍ بيننا.
أيقنتُ وقتها أن هذا اللقاء ربما يكون الوداع.
رأيتُ في عينيكَ نظرة خوفٍ لم أرَها من قبل.
هل هو خوفٌ من الفراق؟
أم ندمٌ على أعوامٍ قادمة؟ لا أعلم، يا صديقي، هل سيجمعنا القدر مرةً أخرى؟

مرّت الأيام والشهور، بل الأعوام، ولم أسمع عنك أي خبر.
تألّمتُ كثيرًا يا صديقي لفراقك وغربتك عني.
فأنا لم أفارقك منذ الطفولة وحتى وقت سفرك.

وجاءتني أول رسالةٍ منك...
بعد أعوامٍ طويلة.
لا أعلم، هل أفرح بها أم أحزن على كل هذه المدة؟
ترددتُ كثيرًا قبل أن أفتح رسالتك.
تملكني الخوف لحظاتٍ وأنا أمسك بأول خيطٍ يعيدني إلى أعوامٍ ماضية.
أسمع نبضات قلبي تتزايد وكأن هذا خطابٌ من محبوبتي.
وكيف لا يخفق قلبي وأنت أخي الذي لم تلده أمي؟

وفتحتُ رسالتك:
*أخي، بل رفيق دربي، أعلم أنني أطلتُ الغياب في إرسال أول رسالةٍ لي.
ولكن عندما تعلم ماذا حدث لي، ستلتمس لي الأعذار.
فأنا، يا صديقي، منذ غادرتُ مطار القاهرة منذ أعوام، لا أتذكر شيئًا مما حدث.
نعم... فعند وصول الطائرة إلى المطار، حدث بها عطلٌ فنيّ، ومن شدة ارتطامها بالأرض، أصبتُ بارتجاجٍ في المخ أفقدني الوعي لأعوام.
وعندما أفقتُ، لم أتذكر شيئًا.
تعرفتُ عندما أفقتُ من غيبوبتي على ممرضةٍ كانت تعتني بي. وكأن القدر أرسلها لتعوضني عن أمي وأبي وجميع أقاربي.
أحببتها ثم تزوجنا، وأنجبتُ منها ولدًا وسمّيته يحيى، تيمّنًا بأن الله أحياني بعد أعوامٍ كثيرة مرت، لا أعلم هل سأفيق أم أظل كذلك بين الحياة والموت.

مرّت أعوامٌ تأقلمتُ فيها مع حياتي الجديدة وأسرتي الصغيرة.
ولكن كنتُ حزينًا جدًا، بالرغم من سعادتي بوجود ابني وزوجتي معي.
كان ينقصني نفسي. لا أعلم من أنا ومن أكون.
ضاعت هويتي وكل شيءٍ كنت أملكه.
وكأن سفري كان مقدّرًا لأعيش حياةً أخرى بشخصيةٍ واسمٍ آخر.
تمنيتُ لو أعود إلى الماضي لأتذكر كل شيءٍ عني وعن أهلي، ولكن دون جدوى.

استسلمتُ للأمر، لأعيش مع ابني وزوجتي.
كبر يحيى وكبرتُ أنا أيضًا.
وفي يوم احتفال يحيى بتخرجه من المرحلة الابتدائية، ذهبتُ لكي أحضر معه، ولكن وقع لي حادثٌ.
غبتُ عن الوعي، وعندما استيقظتُ، لم أتذكر أحدًا سوى يحيى.
ناديتُ عليه، فإذا بطفلٍ يأتي وينادي عليّ: "نعم يا أبي، أنا بجوارك".
فنظرتُ إليه ولم أتذكره، ولكني تذكرتُ أخي ورفيق دربي يحيى.
هل هذا معقول؟
أن أفقد ذاكرتي طيلة هذه الأعوام، وعندما أنجب طفلًا أسميه باسمك؟
نعم يا رفيق دربي، فقد سميته على اسمك دون وعيٍ مني.
أنت أخي الذي لم تلده أمي.
لا أعلم، هل أنت على قيد الحياة أم... لا أستطيع أن أنطقها.
ولكن أتمنى من كل قلبي أن يجمعنا القدر مرةً أخرى.
إذا وصلتك رسالتي وقرأتها، تذكر دائمًا رفيق دربك وطفولتك.*

أتممتُ قراءتي لرسالته، ومع كل كلمةٍ قرأتها، نزلت دموعي على خدي دون أن أشعر.
نعم... فقد طال انتظاري لوصول أول رسالةٍ منه.
فقدتُ الأمل أنه على قيد الحياة، ولكنه أسعدني أنه ما زال يذكرني.
بل أيضًا أنجب ابنًا وأسماه على اسمي.

أخي وصديقي ورفيق دربي،
أتمنى من الله أن يجمعني وإياك مرةً أخرى.
HayamHassan


تعليقات

المشاركات الشائعة